نظّمت غرفة البحرين لتسوية المنازعات، بالتعاون مع لجنة الأمم المتّحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال) ومنظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، المؤتمر الدولي الأورو- متوسّطي الرابع للتحكيم الدولي في 19 نوفمبر 2017 في المنامة. ويأتي هذا المؤتمر بعد دورات سابقة عُقدت في مرسيليا والقاهرة وميلان. وأُقيم المؤتمر تحت رعاية كلّ من وزارة الخارجيّة ووزارة العدل والشؤون الإسلاميّة والأوقاف في البحرين.
بدأ المؤتمر بثلاث كلمات افتتاحيّة لكلّ من الشيخة هيا بنت راشد آل خليفة، رئيسة مجلس أمناء غرفة البحرين لتسوية المنازعات، والسيّد لوقا كاستيلاني، المحامي في لجنة الأمم المتّحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال)، والبروفسور نسيب زيادة، الرئيس التنفيذي لغرفة البحرين لتسوية المنازعات. وقد رحّب المتحدّثون الثلاثة بالقرار الأخير للأونسيترال بتأسيس مركز إقليمي لها مختصّ بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البحرين. وشكر البروفسور زيادة الأمين العام السابق للأونسيترال السيّد رينو سوريول لجهوده في تمهيد الطريق أمام افتتاح المركز الجديد في البحرين، متمنّيًا لخلفه، السيّدة آنا جوبين بري، التوفيق في مهامها الجديدة ومبديًا تطلّعَ غرفة البحرين لتسوية المنازعات للتعاون معها. وأعقب كلمات الافتتاح استعراض لبيئة الأعمال والاستثمار الحاليّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قدّمتها السيّدة ديان باليز غييفيك، محلّلة السياسات في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
استُكمل المؤتمر بجلسة نقاشيّة حول نزاهة واستقلاليّة المحكَّمين والحاجة إلى تفادي تعارض المصالح في التحكيم التجاري الدولي، أدارتها السيّدة صوفيا نابرت، محكّمة في (3 Verulam Buildings Chambers) في لندن. ووفّرت الجلسة رؤى أكاديميّة وقضائيّة ومؤسّساتيّة حول الموضوع من المتحدّثين وهم السيّد توماس كلاي، بروفسور في كلّيّة القانون بجامعة السوربون (باريس 1) والشريك الإداري لمكتب كلاي للتحكيم، والسيّد أحمد الورفلّي، الشريك الأوّل لمكتب الورفلّي للمحامين والمستشارين والقاضي التونسي السابق، والسيّد ستيفانو أزالي، الأمين العام لغرفة ميلانو للتحكيم.
وأعرب البروفسور كلاي عن رأيه أنّه إذا كان للتحكيم أن يستمرّ في التطوّر، فلا بدّ من احترام بعض المبادئ الأساسيّة، بما في ذلك الحياد والاستقلال. واعترف بأنّ المحكَّمين "ليسوا روبوتات، خالية من العاطفة والتاريخ والثقافة" وأنّهم يتفاعلون اجتماعيًّا ومهنيًّا. غير أنّه أصرّ على أنّ هذا التفاعل لا يجب أن يُسمح له بتقويض حيادهم الصارم عندما يكونون في هيئة تحكيم لأنّ هذه "مسألة أخلاق شخصيّة".
وشدّد السيّد الورفلّي على ضرورة الكشف الكامل عن أيّ ظروف قد تُثير مخاوف بشأن تعارض المصالح. وأضاف أنّ الإفصاح يجب أن يكون صادرًا بإرادة المحكَّم نفسه وليس فقط بسبب ضغوط من الأطراف وأن يقتصر على ما هو "معقول وذو صلة".
وشدّد السيّد أزالي على الدور الرئيس الذي تقوم به مؤسّسات التحكيم فى تعزيز وحماية الاستقلال والحياد من خلال وسائل مثل التعليم ووضع مدوّنات لقواعد السلوك والأخلاق وتطبيق العقوبات وجعل التعيينات التحكيميّة خاضعة لموافقة تلك المراكز.
وخلال المناقشة التي أعقبت ذلك، أعرب مشارك من الجزائر عن قلقه من أنّ بعض المحكَّمين من خارج المنطقة يتجاهلون المعايير القضائيّة الخاصّة بالمنطقة، في حين أنّ المحكَّمين من داخل المنطقة لا يطّلعون على الكيفيّة التي تُعالج بها النزاعات. وردّ السيّد أزالي بأنّ بعض المؤسّسات، بما في ذلك غرفة ميلانو للتحكيم ومحكمة لندن للتحكيم الدولي، تقوم الآن بنشر قرارات عزل المحكَّمين، والذي يشير إلى الجدّيّة التي يتمّ التعامل بها مع المخاوف بشأن عدم الحياد.
وخُصّصت الجلسة الثانية للجوانب العمليّة في إجراءات التحكيم في مجال الاستثمار والشفافيّة. وأدارته مرّة أخرى السيدة صوفيا نابرت. ووصف السيّد حسين حائري، الشريك في شركة ويثرز في لندن، البنود الواسعة النطاق للموافقة على التحكيم التي تتضمّنها عادةً اتّفاقيّات الاستثمار وكيفيّة قبول هذه البنود من قِبل المستثمرين الذين تشملهم تلك الاتّفاقيّات بمجرّد بدء الإجراءات.
وتحدّث السيّد مايكل هوانج كبير رئيس محكمة مركز دبي المالي العالمي في دبي عن التحكيم في مجال الاستثمار بموجب اتّفاقيّة تشجيع وحماية وضمان الاستثمارات بين الدول الأعضاء بمنظّمة المؤتمر الإسلامي لسنة 1981 التي أصبحت الآن منظّمة التعاون الإسلامي، ولا سيّما قضيّة هشام طلعت الورّاق ضدّ جمهوريّة إندونيسيا.
وأخيرًا، وصفت المحامية في لجنة الأمم المتّحدة للقانون التجاري الدولي جوديث كنيبر أدوات الأونسيترال بشأن الشفافيّة في التحكيم في مجال الاستثمار، وهي قواعد عام 2014 واتفاقيّة موريشيوس المتعلّقة بالشفافيّة. وقالت إنّها تتطلّع أيضًا إلى مزيد من العمل الذي من المتوقّع أن تبدأه الأونسيترال في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر بُغية إصلاح محتمل لآليّة تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول.
وأتاحت الجلسة الثالثة للوفود الفرصة لمناقشة المسائل العمليّة الناشئة عن الجلسة الصباحيّة بشأن الاستقلال والحياد على خلفيّة الإرشادات للاتّحاد الدولي للمحامين بشأن تعارض المصالح في التحكيم الدولي، وقانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي، وقواعد التحكيم الجديدة التي وضعتها غرفة البحرين لتسوية المنازعات. وكان أعضاء الجلسة السيّد أدريان وينستانلي، المحكَّم والمدير العام السابق لمحكمة لندن للتحكيم الدولي، والدكتورة نجلاء نصّار من مكتب نصّار للمحاماة في القاهرة، والدكتور إسماعيل سليم، مدير مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي.
وشملت الأمثلة التي نوقشت في الجلسة الثالثة الحالة التي يُظهر فيها المحكَّم الانحياز من خلال المبالغة في ردّ الفعل على طلب عزله؛ وأمثلة عن العلاقات بين المحامين والمحكَّمين؛ وأمثلة عن التعيينات المتعاقبة في قضايا ذات صلة وغير ذات صلة؛ وكذلك تكرار التعيينات وأقوال المحكَّم التي يمكن تفسيرها بأنها تُوحي برأيه المُسبق في القضيّة.
وتبع ذلك جلسة تدريبيّة حول إجراءات التحكيم في مجال الاستثمار. وكان المدرّبون السيّد أنطونيو بارّا، نائب الأمين العام السابق للمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار؛ والسيّد داني خيّاط، شريك في ماير براون في باريس؛ والسيّد جيريمي شارب، شريك في شيرمان وستيرلينغ في لندن.
وأدار السيّد بارّا مناقشة بشأن الخطوات الأوّليّة المؤدّية إلى التحكيم في إطار المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، بما في ذلك أيّ إشعار بوجود النزاع وفترة الانتظار قبل تقديم طلب التحكيم، وفحص الطلب وتسجيله. وأشار السيّد خيّاط إلى أنّ عدم وجود معاهدة استثمار ثنائيّة بين الدولة الأم للمستثمر والدولة المضيفة للاستثمار لا يستبعد بالضرورة إمكانيّة وجود مطالبة بين المستثمر والدولة الحاضنة للاستثمار، لأنّ معاهدة حماية استثمار متعدّدة الأطراف قد تكون قابلة للتطبيق. ومن معاهدات الاستثمار متعدّدة الأطراف ذات الأهمّيّة الخاصّة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الاتّفاق الموحّد لعام 1980 لاستثمار رأس المال العربي في الدول العربيّة واتّفاقيّة منظّمة المؤتمر الإسلامي لعام 1981 المشار إليها أعلاه، وكلّ منها كان بالفعل أساس بعض قضايا التحكيم في مجال الاستثمار.
وتناول الجزء الأخير من الجلسة، بقيادة السيّد شارب، مسائل تسوية المنازعات الواجب تغطيتها عند إعداد قانون أو معاهدة استثمار. وشدّد السيّد شارب على الخطوات التي يجب على الدولة اتّخاذها استعدادًا لمطالبات التحكيم المحتملة ضدّها. وتشمل هذه الخطوات وضع إجراءات موحّدة للاستجابة لإشعارات المنازعات والمطالبات. وشدّد على أهمّيّة إعطاء سلطة واضحة للجهة التي تمثّل الدولة، حتى تتمكّن من العمل بفعّاليّة. وقال إنّ الخطوات الضروريّة الأخرى تشمل إنشاء آليّات لضمان التنسيق داخل الحكومة وخارجها، والتعيين السريع للمحامين والإشراف عليهم على النحو الواجب، وتوفير التمويل لتغطية تكاليف التحكيم.
وألقى الرئيس التنفيذي لغرفة البحرين لتسوية المنازعات البروفسور نسيب زيادة الملاحظات الختاميّة في المؤتمر. إضغط هنا لقراءة ملخّص لملاحظات البروفسور زيادة الختاميّة.